الدورة الشهرية عند الرجال: مفاهيم وأبحاث حديثة
تعد الدورة الشهرية ظاهرة بيولوجية معروفة بشكل واسع لدى النساء، حيث تمثل جزءًا من الدورة التناسلية التي يتكرر حدوثها شهريًا في معظم الحالات. ولكن، هل يمكن أن تكون هناك دورة شهرية مشابهة لدى الرجال؟ الجواب هو لا، ولكن هناك العديد من الدراسات التي تلمح إلى وجود تغيرات بيولوجية، فسيولوجية، وسلوكية قد تشبه الدورة الشهرية عند الرجال. لهذا، من المهم أن نفهم خلفيات هذه الظاهرة وكيفية ارتباطها بالصحة العامة.
1. الفروق بين الذكور والإناث في الدورة الشهرية
قبل الحديث عن ما إذا كان يمكن أن توجد دورة شهرية عند الرجال، لابد من النظر إلى كيفية حدوث الدورة الشهرية لدى النساء. الدورة الشهرية هي سلسلة من التغيرات الهرمونية التي تؤدي إلى تحضير الجسم للحمل، وفي حالة عدم حدوث الحمل، يحدث الحيض. وهي تتكون من عدة مراحل: الطور الجريبي، الإباضة، الطور الأصفري، وأخيرًا مرحلة الحيض. هذه الدورة تتحكم فيها هرمونات رئيسية مثل الإستروجين والبروجستيرون، وتستمر عادة لمدة 28 يومًا.
أما في الرجال، فلا توجد دورة شهرية بمعنى التقليدي. لكن، كما سنرى لاحقًا، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى تقلبات هرمونية يمكن أن تتسبب في تغييرات مشابهة من حيث المشاعر والتفاعل النفسي والجسدي.
2. التغيرات الهرمونية لدى الرجال: هل يمكن أن تكون شبيهة بالدورة الشهرية؟
أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن الرجال قد يعانون من تغيرات هرمونية موسمية أو مرتبطة بالوقت الذي يمكن مقارنته بشكل غير مباشر بالتقلبات التي تحدث في الدورة الشهرية لدى النساء. يشير البعض إلى ما يسمى “الدورة الشهرية الرجالية” أو “متلازمة الذكور الموسمية”، التي تتسم بتقلبات في مستويات هرمون التستوستيرون.
هرمون التستوستيرون ودورته
التستوستيرون هو الهرمون الرئيسي الذي يؤثر على العديد من الجوانب في صحة الرجال، بما في ذلك النشاط الجنسي، الكتلة العضلية، والطاقة العامة. يتعرض الرجال لتقلبات في مستويات هذا الهرمون على مدار اليوم، حيث عادة ما تكون أعلى في الصباح وتقل في المساء. لكن هذه التغيرات اليومية لا تعتبر دورة شهرية بمعنى الكلمة، بل هي جزء من تنظيم طبيعي للجسم.
لكن، هناك أيضًا تقلبات موسمية في مستويات التستوستيرون لدى بعض الرجال. تشير بعض الدراسات إلى أن الرجال قد يعانون من انخفاض طفيف في مستويات التستوستيرون في فصل الصيف، بينما يرتفع في فصل الشتاء. هذه التغيرات لا تُعتبر “دورة شهرية” ولكن يمكن أن تكون مشابهة لبعض أعراض الدورة الشهرية مثل التقلبات المزاجية، الشعور بالإرهاق، وفقدان الرغبة الجنسية.
3. هل يمكن أن يعاني الرجال من أعراض مشابهة لأعراض الدورة الشهرية؟
على الرغم من أنه لا توجد “دورة شهرية” تقليدية عند الرجال، فإن هناك تقارير تشير إلى أن بعض الرجال يعانون من أعراض مشابهة لتلك التي تصفها النساء أثناء الدورة الشهرية. تشمل هذه الأعراض:
التقلبات المزاجية:
يمكن لبعض الرجال أن يشعروا بتقلبات مزاجية مشابهة لتلك التي تعاني منها النساء خلال الدورة الشهرية. قد يشعرون بالحزن، القلق، أو التوتر، أو حتى مشاعر شديدة من التهيج. بعض الدراسات تشير إلى أن هذه التغيرات قد تكون مرتبطة بتقلبات هرمونية بسيطة في مستويات التستوستيرون.
الشعور بالتعب والإرهاق:
من الأعراض التي قد يعاني منها الرجال في بعض الأوقات، هي الشعور بالتعب والإرهاق الشديد، مما قد يؤثر على أدائهم اليومي. قد يرتبط هذا بانخفاض مستويات التستوستيرون أو التغيرات في أنماط النوم.
التغييرات في الرغبة الجنسية:
تتأثر الرغبة الجنسية لدى الرجال بتقلبات مستويات التستوستيرون. قد يعاني بعض الرجال من تراجع مؤقت في الرغبة الجنسية في أوقات معينة من العام، وهو ما قد يكون مشابهًا لتقلبات الهرمونات في الدورة الشهرية عند النساء.
زيادة الوزن أو تغيرات في الشهية:
تشير بعض الأبحاث إلى أن تقلبات الهرمونات لدى الرجال قد تتسبب في زيادة الوزن أو تغييرات في الشهية، وخاصة عندما يكون مستوى التستوستيرون منخفضًا. قد يشعر الرجل أيضًا بجوع غير مبرر أو فقدان شهية بشكل مؤقت.
الألم العضلي والمفصلي:
عند بعض الرجال، قد تحدث زيادة في الحساسية تجاه الألم العضلي أو المفصلي في أوقات معينة، وهو ما قد يُشبه بعض الأعراض التي تشكو منها النساء أثناء الدورة الشهرية.
4. متى تبدأ الأعراض؟
تختلف الأعراض التي قد يعاني منها الرجال بشكل كبير من شخص لآخر. لا توجد “دورة” ثابتة كما هو الحال عند النساء، حيث تتفاوت الأعراض بشكل فردي. بعض الرجال قد لا يشعرون بأي تغييرات على الإطلاق، بينما يعاني البعض الآخر من تغييرات ملحوظة في مزاجهم أو طاقاتهم. في حالات نادرة، قد يتم تشخيص هذه الأعراض على أنها اضطرابات هرمونية أو مشاكل نفسية تحتاج إلى معالجة طبية.
5. الدراسات والبحوث الحديثة حول الموضوع
على الرغم من أن الفكرة العامة حول الدورة الشهرية للرجال لا تزال قيد النقاش بين العلماء، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الرجال قد يعانون بالفعل من تقلبات هرمونية موسمية تؤثر على سلوكهم وصحتهم العامة. تشير بعض الأبحاث إلى أن التقلبات في مستويات التستوستيرون يمكن أن تخلق نوعًا من “الدورة الشهرية” البيولوجية، لكنها تختلف عن الدورة الشهرية لدى النساء من حيث التوقيت والطبيعة.
في دراسة أجريت عام 2002، أظهرت نتائج فحص مستويات التستوستيرون لدى مجموعة من الرجال على مدار سنة كاملة أن بعضهم أظهر انخفاضًا ملحوظًا في مستويات هذا الهرمون في الصيف، وهو ما يمكن أن يفسر بعض الأعراض المرتبطة بمشاكل في المزاج والطاقة. كما وجدت دراسات أخرى أن الرجال الذين يعانون من مستويات منخفضة من التستوستيرون قد يعانون من الأعراض المشابهة لمتلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS) عند النساء، مثل التعب والاكتئاب والشعور بالقلق.
6. الختام: من الفرضية إلى البحث المستقبلي
على الرغم من أن مفهوم “الدورة الشهرية عند الرجال” لا يتوافق تمامًا مع التعريف العلمي للدورة الشهرية كما نعرفها عند النساء، إلا أن الأدلة تشير إلى أن الرجال قد يعانون من تقلبات هرمونية ومزاجية تشبه بعض الأعراض المرتبطة بالدورة الشهرية. من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن التغيرات الهرمونية التي يعاني منها الرجال ليست بالضرورة متكررة بنفس الوتيرة أو الشكل الذي يحدث عند النساء، لكنها تستحق المزيد من البحث لفهم كيفية تأثيرها على الصحة العامة.
مع تقدم العلم في هذا المجال، يمكن أن تظهر المزيد من الأدلة التي قد تساهم في فك شفرة هذا الموضوع المعقد، وربما تؤدي إلى فهم أعمق لكيفية تفاعل الهرمونات مع الأعراض التي يشعر بها الرجال، وبالتالي تحسين طرق العلاج والتعامل مع هذه الحالات.
